بسم الله الرحمن الرحيممن مقومات فن الخطابة
[ أربعون وقفة تدربها وتعلمها لتصل إلى الريادة في فن الخطابة ]
هذا الموضوع عبارة عن وقفات من وحي التجربة استدركناها , وبعضاً منها أخذناها من فم المشايخ , والقليل منها من الكتب الدعوية .. ونحن الآن لاستطيع أن نحدد المصادر .. والمهم هنا هو عرضها بغرض الاستفادة ..
وهي بمثابة إهداء لطلاب العلم عامة , وإلى المنتمين إلى ( بستان الجنة ) خاصة , وبالذات المشرفين على المنتديات , الذين يحاولون توضيح الروح الإسلامية , وإظهارها بحلتها الحقيقية .
وسنقسم هذه المقومات إلى فقرات كما يلي :
( أ ) مقومات نفسية :
وهذه هي المشكلة الأولى والعقبة الكأداء , أمام كل يريد الدخول إلى عالم الخطابة , وبالذات الذي لم يخطب في حياته من قبل .
ودائما الوقفة الأولى هي المشكلة بل هي أم المعارك .. واللحظات التي يعيشها الطالب قبل الوقوف لإلقاء الخاطرة أو الكلمة هي أصعب لحظات عمره , وذلك لما يشعر به الطالب ـ أيٍ مبتدئ يحاول الإلقاء ـ من خوف ورهبة ربما لا يعيشها إلا من سينفذ فيه حكم الإعدام .
والحقيقة أنني كلما ذكرت الخطبة ذكرت قصة الأخ ( س) , وذلك عندما خرجنا مع جماعة الدعوة , والحقيقة أن كل ـ أو أكثر ـ من يخرج في الدعوة تكون عينه على البيان ـ أي كلمة أو خاطرة مابين صلاتي المغرب والعشاء ـ .
عندما وقع الاختيار عليه سر سروراً كبير , وهي فرصة لطالما تمناها وحلم بها .. وقد وقع الإختيار عليه في الصباح , وإلى بعد صلاة العصر والأمر عادي , ونفسيته هادئة .. وقبل أذان المغرب بساعة بدأ بالتوجس .. وبدأت أسئلته تكثر ماذا يفعل وكيف يقول , وبماذا يبدأ , .. ؟
وبدأت ملامح وجهه تتغير .. بدأنا نرقبه .. ورئينا وجهه يتلون .. يتلون شيئا .. فشيئا .. حتى أذان المغرب تغير لون وجهه تمامأ .
أخبرناه إذا كان غير مستعد فسيقوم أحد الأخوة غيره .. قال : أنا مستعد .
بعد صلاة المغرب قام أحد الأخوة و قال : ( ... , سيقوم أحد الأخوة بعد ركعتي السنة يلقي عليكم مما فتح الله عليه من كلام الله وكلام رسوله .. نرجو أن تصبروا أنفسكم , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خير منه .. ) .
بعد دقيقة تقريباً من ركعتي السنة قام واتجه نحو القبلة ـ موضع مصلى الإمام ـ , لكنه لم يكن بمفرده بل كان معه أحد الأخوة يسنده .. وعندما وصل إلى القبلة قام أحد الأخوة وأسنده من الجهة الثانية .. لكنه سرعان ما أجهش بالبكاء وجثم على الأرض .
هنا وبسرعة قام الأستاذ ( م ) ـ الأمير أو المشرف على المجموعة ـ وقال : ( انظروا بالله عليكم .. انظروا .. هذا حاله لأنه وقف أمامكم .. كيف سيكون الحال عند الوقوف أمام الله يوم القيامة .. كيف سيكون حالنا يوم نقف بين يدي الله جل جلاله , يوم لا ينفع مال ولا بنون , كيف .. , كيف .. ؟ ) .
( ب ) ـ مقومات أدبية .
( ج ) ـ مقومات فنية .
( د ) ـ مقومات الإبداع .
( ه ) ـ مقومات الريادة .
( و ) ـ متطلبات إضافية .
( أ )
1ـ عندما تقف وتذهب إلى المنبر أو موقع الخطابة ـ ماشياً ـ امشي بخطوات واثقة وشبه بطيئة , ورأسك مرفوع وصدرك بارز وأنت تنظر إلى الأمام .
2ـ عند الوقوف لإلقاء الخاطرة أو الخطبة , يستحسن الصمت بمعدل دقيقة قبل البدء بالكلام .
كما يجب أن تتنفس بهدوء وببطء .
3ـ أثناء هذه الدقيقة يجب أن توزع نظرك على جميع الحاضرين .
4ـ وزع نظرك أولاً على الصفوف الأخيرة , ولا تنظر منذ البداية إلى الصفوف الأولى وبالذات الأول والثاني والثالث ـ وإياك .. إياك .. إياك ـ , إلا بعد مضي 10 دقائق على الأقل .
5 ـ استخدم العصا بيدك متكأً عليها حيث أنها من السنة , كما أنها تعطي نوع من التوازن , وكذلك باستخدامها تشعر بالثقة العالية .
وقد تشعر وكأنها بمثابة التأريت الأرضي .. بمعنى أنها تصرف شحن الخوف إلى الأرض .
6ـ عدم الاتكاء على الجدار , لأن الاتكاء على الجدار يشعر الآخرين بأنك خائف أو مستحي , ومن يتكئ فإنهم يسقطون عليه هالات إما من الإشفاق أو من الاستياء .
7ـ وأثناء الخطبة يجب الاستمرار بالالتفات نحو اليمين ونحو اليسار , ومداولة ذلك ولا يكون الالتفات بسرعة ولا ببطء , فإن ذلك من سمات الخطابة , وأنه يشعر بالثقة ويجلب الانتباه .
8ـ عدم رفع القدم , مثلاً بالتداول اليمنى ثم اليسرى والعكس , فإن ذلك يشعر الحضور بأن الخطيب على غير وضوء أو أن في بطنه تزاحم ( ! ) .
ويمكن فعل ذلك في بداية الخطبة ـ وببطء ـ حتى يذهب الخوف والإحراج , ثم بعد ذلك يكون تثبيت القدمين عند الشعور بالاستقرار النفسي .
9ـ يستحسن التوسط في اللبس , أي الذي لا يشعر بالكبر ولا بالتواضع الملفت للنظر , وكذلك لا يكون فيه إسبال ولا مبالغ في القصر , ولا يكون فيه ألوان براقة فإن ذلك يخرج الانتباه من طور الموضوع إلى طور اللبس .
10ـ استشعر عدم النسيان واحشد الثقة بالله أولاً ثم بنفسك , وإلا ستنسى سورة الفاتحة .
وكما يقال لابد من الجرأة قبل القيام بأي عمل .
11ـ لا تقول بأن الذين أمامك أعلم منك , أو أنهم أقل من مستواك ولن يفهموا كلامك .
( ب )
12ـ خطبة الحاجة : ابدأ كلامك بها فبالرغم من أنها سنة , إلا أنها تتعدى ذلك حيث أنها تبعد الخوف والإحراج والارتباك وتهيئ الخطيب نفسياً للدخول إلى الموضوع ( .. ) .
13ـ ليس في جميع المناسبات يجب تحديد عنوان الموضوع في البداية , فإن مما يؤخذ على ذلك أنك إذا خرجت بالحديث للتدليل ولدعم موضوعك اعتقد البعض خروجك عن الموضوع , وانتقدك على ذلك .. وهذا من أسباب صرف الانتباه عن المتابعة .
14ـ يجب التدليل من الكتاب والسنة , وكذلك حفظ أشعار من أجل التدليل ومن أجل دعم الموضوع بها , حيث أن للشعر تأثير كبير على الكثير من السامعين .
15ـ احرص على حفظ القرآن ـ الآيات التي تدعم بها موضوعك وفق أحكام التجويد ـ قبل الإلقاء , وكذلك الحديث مع الرواة ـ لا نقصد سلسلة السند كاملة ـ وهذا مطلب هام , أضف إلى أن من نتائج عدم إتقان ذلك هو صرف الانتباه عن الموضوع وعن فكرته , إلى تعداد الأخطاء .
16ـ حاول استخدام اللغة العربية في الإلقاء ـ وهذا بالطبع يتطلب فهم قواعد النحو والصرف والبلاغة ـ ولا بد من ذلك , ويستحسن التعود على القراءة بالعربية مع ضبط الإعراب , حيث عند الخطأ في النحو أثناء الإلقاء مثل نصب المرفوع أو كسر المنصوب , فإنه لا يحيل السامع إلى عد الأخطاء وحسب , بل أنه أشبه بضرب الرأس بساطور عند البعض .
وطبعاً في حالات لا مانع من التوضيح بالعامية أمام العامة وبالذات في الأمثلة أو عندما يتطلب الأمر إلى ذلك .
( ج )
17ـ انتهج أسلوب عام ( .. ) مع عرض أمثلة قريبة من الواقع المعاش , وتلمس قضاياهم الحياتية القريبة منهم أي تحسس همومهم , وهذه المسألة بالذات أكبر مسألة تأسر قلوب الحاضرين وتجذبهم إلى الاستماع , بل وإلى الانقياد .
ولا يجب التمثيل بمصطلحات وقضايا علمية بحتة وبالذات أمام العامة , إلا إذا اقتضى الأمر إلى ذلك .
18ـ لا تسرع في الكلام أثناء الإلقاء , لأن المطلوب منك فهم من ثم تفهيم الموضوع بمقتضياته , كما أنه يتطلب منك معرفة علمية كبيرة ( أي قدر الإمكان ) .
وأيضاً لا تبطئ , فما ينتج عن ذلك هو السأم والملل والضجر .
19ـ بقدر الحماس تكون الاستجابة .. على ألا يزيد الشيء عن حده .
وهناك مواطن يستحسن رفع الصوت عندها مثل ذكر النار , وعند ذكر الجنة يستحسن
خفضه .
20ـ عدم التطويل وهذا من السنة وأيضاً من فطنة الخطيب , لكن هذا ليس شرط دائماً .. فإذا شعر الخطيب بأن هناك ميل إلى الاستماع فلا بأس من الإطالة والاسترسال في الكلام , وخصوصاً في المحاضرات العلمية .
وطبعاً كل مناسبة لها ظروفها الخاصة .
21ـ يمكنك استخدام شعرة معاوية في جلب وإثارة الانتباه , وإيقاظ النائمين .. والوسائل حول هذا كثيرة وتتجلى أمامك في نفس اللحظة واستخدمها في وقتها .. ومنها استخدامك الفكاهة , وحذار أن تستخدمها في خطبة الجمعة .
22ـ لا تنظر إلى الورقة , بل تعود على الإلقاء من دونها , حيث أن الخطابة من خلال القراءة مستنكرة وبالذات عند العرب .. ولا مانع من استخدامك للورقة والنظر إليها إذا كانت تختزل عناصر الموضوع , ووفق تصورك لعرضه وهذا أفضل .
23ـ أن يكون موضوع الخطبة متوافق مع المناسبة , مثل خطبة الجمعة الأخيرة من شعبان إذ يتطلب منك أن تتحدث عن فضل الصوم وبالذات في رمضان , وتحبب هذا الشهر بعرض فضائله , وكذلك بعرض صور من واقع الصحابة والسلف في شهر رمضان .
ونشير أنه إذا كان موضوعك ليس له علاقة بالمناسبة , فإنه يجب الإشارة ولو في نهاية الموضوع عن المناسبة .
[ نشير أن حديثنا عن الخطابة على إطلاقها , وليس محدداً مثل خطبة الجمعة ] .
( د )
24ـ تجنب الارتجال والتقليد , وعالج الموضوع بنفسك ـ حسب وجهة نظرك وحسب ما تراه ـ ولا مانع من الاسترشاد بآراء العلماء وبالذات علماء الأمة البارزون الذين لهم تأثير وحب الجميع ( .. ) .
كما يمكن الاسترشاد بتجارب الشعوب أو بأقوال ومقتطفات عالمية , وهذا حسب ما يتطلب الموضوع , وطبعاً هذا مقبول لأنه ليس بغرض التمجيد وإنما بغرض الدلالة والعبرة .
25ـ يجب تحديد الموضوع أي أن يكون محدد الفكرة ومركز, وذلك حتى لا يتشتت انتباه السامعين .
26ـ ترتيب الموضوع وتنسيقه بعناصر وأولويات , وبجداول إذا كانت هناك مقارنات , وهذا طبعا إذا اقتضى الأمر إلى ذلك , وهذا كله حتى تصل إلى ما تريد .
27ـ لا تكثر من استخدامك لكلمات أو لجمل محددة , وعلة ذلك أنه يشعر أو يظهر عدم إلمامك بالموضوع , وبقصورك الثقافي والمعرفي .
28ـ كما يجب تطعيم الموضوع بالقصص , ويحضر تأثير ذلك من جانبين :
الأول : من حيث الجانب العاطفي , إذ أنها تجذب السامعين وتؤثر عليهم وتجعلهم يقبلون الموضوع , مثل قصص التائبين وإيراد أقوالهم .
الثاني : كتدليل واقعي معاش أو معايش , فيكون له عمق وأثر كبير في النفس .
29ـ عدم التعرض أو التشهير بجهة معينة أو بشخصية محددة , وبالذات بذكر الاسم , فإن ذلك مما يجلب الضغينة ولا يوصل الرسالة .. لكن إذا كان من أعداء الأمة فلا بأس بذلك بل أنه من الواجب .
30ـ لا تظهر من البداية أراء جهة معينة أنت مقتنع بها أو منتمي إليها , ولكن اعرف كيف تقودهم إلى ذلك بأسلوب غير مباشر , لأن المناوئين إذا عرفوا من البداية قد يحدثوا ضجة .. أما غيرهم فإنهم فقط سيتصبرون حتى تفرغ ما بجعبتك .
بل أشعرهم من البداية أن المسألة عامة , ثم بعد ذلك أظهر الحلول بما تتوافق مع أفكارك وأراء الجهة التي تنتمي إليها , ولكن بشكل براق , وإياك وأنصاف الحلول فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع .
( ه )
31 ـ الجدية في الموضوع , وأولاً في اختيار الفكرة .
32ـ وضع الداء ومن ثم وضع الدواء , وهي الحلول الموضوعية والبناءة و الممكنة .
كما يجب تحديد أسباب الداء وبدايات ظهوره , وإلى أي مدى وصل , وإلى أي مستوى سيصل ـ أثره وتأثيره , وكيف يمكن علاجه .
أي طرح خطره في الحاضر والمستقبل وتأثيره على الأبناء وعلى الأجيال القادمة , وهذا يحشد الانتباه ويرفع من روح المبادرة والتفاعل والتجاوب .
33ـ يمكنك أن تستشرف نماذج وصور وقعت في الماضي وكيف كان أثرها على الأمة حينها , وبالذات الصور الإيجابية والمشرقة ( .. ) .
34ـ اربط موضوعك بالقضايا التي يعانونها ـ مع توضيح الارتباط سلباً أو بالإيجاب ـ أي أنزل القضايا العالمية بالقضايا المحلية في مجتمعك ـ مثل أثر العلمانية على الأمة وعلى المجتمع , أي اسقط الانهزام الذي أصاب الأمة والمجتمع على تلك الظاهرة المصدرة من خار محيطنا .
35ـ اجتناب الترهيب فقط , أو الترغيب فقط , فإن من نتائج الترهيب الشعور باليأس وفقد الثقة وقطع الأمل , ومن نتائج الترغيب الشعور بأن الأمور على ما يرام ـ وأحياناً التكذيب ـ .
والأفضل استخدام الاثنين ـ ليس بإجحاف أو بغرض إبكائهم وبالذات من أجل الثناء ـ واستخدم الترهيب أولاً ثم الترغيب .
36ـ إشعارهم بالمسؤولية وبالدور المناط علي عاتقهم .. وتحفز فيهم الهمة , وبأنهم أحفاد الأوائل , ومن ذلك قولك :
إن لم يكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب الدنايا عاكفون .
ويمكن أن تبسط لهم دورهم وفق ممكنتهم الواقعية والحياتية .
37ـ لا تلوح بأنك دائماً تنصحهم وبأنهم مقصرون وأنه لا فائدة من نصحهم ( .. ) .
38ـ لا تلوح بأنك أفضل منهم بل انسب التقصير أولاً إلى نفسك .
39ـ الدعاء لهم فإن ذلك مما يسرهم ويجلب هممهم , ويشعرهم بأنهم مسئولون , ويحفزهم لتحمل المسئولية .. ( وطبعاً كل خطبة لها دندنتها .! ) .
40ـ وأخيراً لا تحاول أن تطبقها دفعة واحدة , ولكن حاول أن تطبق الأقرب منها , وبالت مقومات الفقرة ( أ ) , لأن الجرأة عند الوقوف هي العقبة الأولى في عالم الخطابة , وما عدى يأتي إدراكه مع الممارسة .
( و )
ـ الإخلاص لله في القول والعمل , فما كان لله دام واتصل , وما كان لغيره انقطع وانفصل .
ـ كثرة الإطلاع والقراءة .ـ محاولة التحدث باللغة العربية الفصحى .
ـ التحدث في الدين وفي الدعوة له .
ـ الشجاعة الأدبية : وكثيراً ما تتأتى من خلال القراءة عن الصحابة وعن السلف , وعن الفاتحين .. وكذلك استشعر المسؤولية , والدور المناط على عاتقك تجاه الأمة وتجاه هذا الدين وماذا يتطلب منك ؟ وماذا ينتظرك ؟
وأخيرا نسأل الله أن يجعل عملنا هذا في ميزان حسناتنا جميعا , وأن يتقبل صيامنا وصلاتنا , وبالمناسبة عيد سعيد ـ قبل الزحمة وعساكم من عوادة .منقووووووول للفائدةمشكورين لقرائتكم الموضوع
[ أربعون وقفة تدربها وتعلمها لتصل إلى الريادة في فن الخطابة ]
هذا الموضوع عبارة عن وقفات من وحي التجربة استدركناها , وبعضاً منها أخذناها من فم المشايخ , والقليل منها من الكتب الدعوية .. ونحن الآن لاستطيع أن نحدد المصادر .. والمهم هنا هو عرضها بغرض الاستفادة ..
وهي بمثابة إهداء لطلاب العلم عامة , وإلى المنتمين إلى ( بستان الجنة ) خاصة , وبالذات المشرفين على المنتديات , الذين يحاولون توضيح الروح الإسلامية , وإظهارها بحلتها الحقيقية .
وسنقسم هذه المقومات إلى فقرات كما يلي :
( أ ) مقومات نفسية :
وهذه هي المشكلة الأولى والعقبة الكأداء , أمام كل يريد الدخول إلى عالم الخطابة , وبالذات الذي لم يخطب في حياته من قبل .
ودائما الوقفة الأولى هي المشكلة بل هي أم المعارك .. واللحظات التي يعيشها الطالب قبل الوقوف لإلقاء الخاطرة أو الكلمة هي أصعب لحظات عمره , وذلك لما يشعر به الطالب ـ أيٍ مبتدئ يحاول الإلقاء ـ من خوف ورهبة ربما لا يعيشها إلا من سينفذ فيه حكم الإعدام .
والحقيقة أنني كلما ذكرت الخطبة ذكرت قصة الأخ ( س) , وذلك عندما خرجنا مع جماعة الدعوة , والحقيقة أن كل ـ أو أكثر ـ من يخرج في الدعوة تكون عينه على البيان ـ أي كلمة أو خاطرة مابين صلاتي المغرب والعشاء ـ .
عندما وقع الاختيار عليه سر سروراً كبير , وهي فرصة لطالما تمناها وحلم بها .. وقد وقع الإختيار عليه في الصباح , وإلى بعد صلاة العصر والأمر عادي , ونفسيته هادئة .. وقبل أذان المغرب بساعة بدأ بالتوجس .. وبدأت أسئلته تكثر ماذا يفعل وكيف يقول , وبماذا يبدأ , .. ؟
وبدأت ملامح وجهه تتغير .. بدأنا نرقبه .. ورئينا وجهه يتلون .. يتلون شيئا .. فشيئا .. حتى أذان المغرب تغير لون وجهه تمامأ .
أخبرناه إذا كان غير مستعد فسيقوم أحد الأخوة غيره .. قال : أنا مستعد .
بعد صلاة المغرب قام أحد الأخوة و قال : ( ... , سيقوم أحد الأخوة بعد ركعتي السنة يلقي عليكم مما فتح الله عليه من كلام الله وكلام رسوله .. نرجو أن تصبروا أنفسكم , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خير منه .. ) .
بعد دقيقة تقريباً من ركعتي السنة قام واتجه نحو القبلة ـ موضع مصلى الإمام ـ , لكنه لم يكن بمفرده بل كان معه أحد الأخوة يسنده .. وعندما وصل إلى القبلة قام أحد الأخوة وأسنده من الجهة الثانية .. لكنه سرعان ما أجهش بالبكاء وجثم على الأرض .
هنا وبسرعة قام الأستاذ ( م ) ـ الأمير أو المشرف على المجموعة ـ وقال : ( انظروا بالله عليكم .. انظروا .. هذا حاله لأنه وقف أمامكم .. كيف سيكون الحال عند الوقوف أمام الله يوم القيامة .. كيف سيكون حالنا يوم نقف بين يدي الله جل جلاله , يوم لا ينفع مال ولا بنون , كيف .. , كيف .. ؟ ) .
( ب ) ـ مقومات أدبية .
( ج ) ـ مقومات فنية .
( د ) ـ مقومات الإبداع .
( ه ) ـ مقومات الريادة .
( و ) ـ متطلبات إضافية .
( أ )
1ـ عندما تقف وتذهب إلى المنبر أو موقع الخطابة ـ ماشياً ـ امشي بخطوات واثقة وشبه بطيئة , ورأسك مرفوع وصدرك بارز وأنت تنظر إلى الأمام .
2ـ عند الوقوف لإلقاء الخاطرة أو الخطبة , يستحسن الصمت بمعدل دقيقة قبل البدء بالكلام .
كما يجب أن تتنفس بهدوء وببطء .
3ـ أثناء هذه الدقيقة يجب أن توزع نظرك على جميع الحاضرين .
4ـ وزع نظرك أولاً على الصفوف الأخيرة , ولا تنظر منذ البداية إلى الصفوف الأولى وبالذات الأول والثاني والثالث ـ وإياك .. إياك .. إياك ـ , إلا بعد مضي 10 دقائق على الأقل .
5 ـ استخدم العصا بيدك متكأً عليها حيث أنها من السنة , كما أنها تعطي نوع من التوازن , وكذلك باستخدامها تشعر بالثقة العالية .
وقد تشعر وكأنها بمثابة التأريت الأرضي .. بمعنى أنها تصرف شحن الخوف إلى الأرض .
6ـ عدم الاتكاء على الجدار , لأن الاتكاء على الجدار يشعر الآخرين بأنك خائف أو مستحي , ومن يتكئ فإنهم يسقطون عليه هالات إما من الإشفاق أو من الاستياء .
7ـ وأثناء الخطبة يجب الاستمرار بالالتفات نحو اليمين ونحو اليسار , ومداولة ذلك ولا يكون الالتفات بسرعة ولا ببطء , فإن ذلك من سمات الخطابة , وأنه يشعر بالثقة ويجلب الانتباه .
8ـ عدم رفع القدم , مثلاً بالتداول اليمنى ثم اليسرى والعكس , فإن ذلك يشعر الحضور بأن الخطيب على غير وضوء أو أن في بطنه تزاحم ( ! ) .
ويمكن فعل ذلك في بداية الخطبة ـ وببطء ـ حتى يذهب الخوف والإحراج , ثم بعد ذلك يكون تثبيت القدمين عند الشعور بالاستقرار النفسي .
9ـ يستحسن التوسط في اللبس , أي الذي لا يشعر بالكبر ولا بالتواضع الملفت للنظر , وكذلك لا يكون فيه إسبال ولا مبالغ في القصر , ولا يكون فيه ألوان براقة فإن ذلك يخرج الانتباه من طور الموضوع إلى طور اللبس .
10ـ استشعر عدم النسيان واحشد الثقة بالله أولاً ثم بنفسك , وإلا ستنسى سورة الفاتحة .
وكما يقال لابد من الجرأة قبل القيام بأي عمل .
11ـ لا تقول بأن الذين أمامك أعلم منك , أو أنهم أقل من مستواك ولن يفهموا كلامك .
( ب )
12ـ خطبة الحاجة : ابدأ كلامك بها فبالرغم من أنها سنة , إلا أنها تتعدى ذلك حيث أنها تبعد الخوف والإحراج والارتباك وتهيئ الخطيب نفسياً للدخول إلى الموضوع ( .. ) .
13ـ ليس في جميع المناسبات يجب تحديد عنوان الموضوع في البداية , فإن مما يؤخذ على ذلك أنك إذا خرجت بالحديث للتدليل ولدعم موضوعك اعتقد البعض خروجك عن الموضوع , وانتقدك على ذلك .. وهذا من أسباب صرف الانتباه عن المتابعة .
14ـ يجب التدليل من الكتاب والسنة , وكذلك حفظ أشعار من أجل التدليل ومن أجل دعم الموضوع بها , حيث أن للشعر تأثير كبير على الكثير من السامعين .
15ـ احرص على حفظ القرآن ـ الآيات التي تدعم بها موضوعك وفق أحكام التجويد ـ قبل الإلقاء , وكذلك الحديث مع الرواة ـ لا نقصد سلسلة السند كاملة ـ وهذا مطلب هام , أضف إلى أن من نتائج عدم إتقان ذلك هو صرف الانتباه عن الموضوع وعن فكرته , إلى تعداد الأخطاء .
16ـ حاول استخدام اللغة العربية في الإلقاء ـ وهذا بالطبع يتطلب فهم قواعد النحو والصرف والبلاغة ـ ولا بد من ذلك , ويستحسن التعود على القراءة بالعربية مع ضبط الإعراب , حيث عند الخطأ في النحو أثناء الإلقاء مثل نصب المرفوع أو كسر المنصوب , فإنه لا يحيل السامع إلى عد الأخطاء وحسب , بل أنه أشبه بضرب الرأس بساطور عند البعض .
وطبعاً في حالات لا مانع من التوضيح بالعامية أمام العامة وبالذات في الأمثلة أو عندما يتطلب الأمر إلى ذلك .
( ج )
17ـ انتهج أسلوب عام ( .. ) مع عرض أمثلة قريبة من الواقع المعاش , وتلمس قضاياهم الحياتية القريبة منهم أي تحسس همومهم , وهذه المسألة بالذات أكبر مسألة تأسر قلوب الحاضرين وتجذبهم إلى الاستماع , بل وإلى الانقياد .
ولا يجب التمثيل بمصطلحات وقضايا علمية بحتة وبالذات أمام العامة , إلا إذا اقتضى الأمر إلى ذلك .
18ـ لا تسرع في الكلام أثناء الإلقاء , لأن المطلوب منك فهم من ثم تفهيم الموضوع بمقتضياته , كما أنه يتطلب منك معرفة علمية كبيرة ( أي قدر الإمكان ) .
وأيضاً لا تبطئ , فما ينتج عن ذلك هو السأم والملل والضجر .
19ـ بقدر الحماس تكون الاستجابة .. على ألا يزيد الشيء عن حده .
وهناك مواطن يستحسن رفع الصوت عندها مثل ذكر النار , وعند ذكر الجنة يستحسن
خفضه .
20ـ عدم التطويل وهذا من السنة وأيضاً من فطنة الخطيب , لكن هذا ليس شرط دائماً .. فإذا شعر الخطيب بأن هناك ميل إلى الاستماع فلا بأس من الإطالة والاسترسال في الكلام , وخصوصاً في المحاضرات العلمية .
وطبعاً كل مناسبة لها ظروفها الخاصة .
21ـ يمكنك استخدام شعرة معاوية في جلب وإثارة الانتباه , وإيقاظ النائمين .. والوسائل حول هذا كثيرة وتتجلى أمامك في نفس اللحظة واستخدمها في وقتها .. ومنها استخدامك الفكاهة , وحذار أن تستخدمها في خطبة الجمعة .
22ـ لا تنظر إلى الورقة , بل تعود على الإلقاء من دونها , حيث أن الخطابة من خلال القراءة مستنكرة وبالذات عند العرب .. ولا مانع من استخدامك للورقة والنظر إليها إذا كانت تختزل عناصر الموضوع , ووفق تصورك لعرضه وهذا أفضل .
23ـ أن يكون موضوع الخطبة متوافق مع المناسبة , مثل خطبة الجمعة الأخيرة من شعبان إذ يتطلب منك أن تتحدث عن فضل الصوم وبالذات في رمضان , وتحبب هذا الشهر بعرض فضائله , وكذلك بعرض صور من واقع الصحابة والسلف في شهر رمضان .
ونشير أنه إذا كان موضوعك ليس له علاقة بالمناسبة , فإنه يجب الإشارة ولو في نهاية الموضوع عن المناسبة .
[ نشير أن حديثنا عن الخطابة على إطلاقها , وليس محدداً مثل خطبة الجمعة ] .
( د )
24ـ تجنب الارتجال والتقليد , وعالج الموضوع بنفسك ـ حسب وجهة نظرك وحسب ما تراه ـ ولا مانع من الاسترشاد بآراء العلماء وبالذات علماء الأمة البارزون الذين لهم تأثير وحب الجميع ( .. ) .
كما يمكن الاسترشاد بتجارب الشعوب أو بأقوال ومقتطفات عالمية , وهذا حسب ما يتطلب الموضوع , وطبعاً هذا مقبول لأنه ليس بغرض التمجيد وإنما بغرض الدلالة والعبرة .
25ـ يجب تحديد الموضوع أي أن يكون محدد الفكرة ومركز, وذلك حتى لا يتشتت انتباه السامعين .
26ـ ترتيب الموضوع وتنسيقه بعناصر وأولويات , وبجداول إذا كانت هناك مقارنات , وهذا طبعا إذا اقتضى الأمر إلى ذلك , وهذا كله حتى تصل إلى ما تريد .
27ـ لا تكثر من استخدامك لكلمات أو لجمل محددة , وعلة ذلك أنه يشعر أو يظهر عدم إلمامك بالموضوع , وبقصورك الثقافي والمعرفي .
28ـ كما يجب تطعيم الموضوع بالقصص , ويحضر تأثير ذلك من جانبين :
الأول : من حيث الجانب العاطفي , إذ أنها تجذب السامعين وتؤثر عليهم وتجعلهم يقبلون الموضوع , مثل قصص التائبين وإيراد أقوالهم .
الثاني : كتدليل واقعي معاش أو معايش , فيكون له عمق وأثر كبير في النفس .
29ـ عدم التعرض أو التشهير بجهة معينة أو بشخصية محددة , وبالذات بذكر الاسم , فإن ذلك مما يجلب الضغينة ولا يوصل الرسالة .. لكن إذا كان من أعداء الأمة فلا بأس بذلك بل أنه من الواجب .
30ـ لا تظهر من البداية أراء جهة معينة أنت مقتنع بها أو منتمي إليها , ولكن اعرف كيف تقودهم إلى ذلك بأسلوب غير مباشر , لأن المناوئين إذا عرفوا من البداية قد يحدثوا ضجة .. أما غيرهم فإنهم فقط سيتصبرون حتى تفرغ ما بجعبتك .
بل أشعرهم من البداية أن المسألة عامة , ثم بعد ذلك أظهر الحلول بما تتوافق مع أفكارك وأراء الجهة التي تنتمي إليها , ولكن بشكل براق , وإياك وأنصاف الحلول فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع .
( ه )
31 ـ الجدية في الموضوع , وأولاً في اختيار الفكرة .
32ـ وضع الداء ومن ثم وضع الدواء , وهي الحلول الموضوعية والبناءة و الممكنة .
كما يجب تحديد أسباب الداء وبدايات ظهوره , وإلى أي مدى وصل , وإلى أي مستوى سيصل ـ أثره وتأثيره , وكيف يمكن علاجه .
أي طرح خطره في الحاضر والمستقبل وتأثيره على الأبناء وعلى الأجيال القادمة , وهذا يحشد الانتباه ويرفع من روح المبادرة والتفاعل والتجاوب .
33ـ يمكنك أن تستشرف نماذج وصور وقعت في الماضي وكيف كان أثرها على الأمة حينها , وبالذات الصور الإيجابية والمشرقة ( .. ) .
34ـ اربط موضوعك بالقضايا التي يعانونها ـ مع توضيح الارتباط سلباً أو بالإيجاب ـ أي أنزل القضايا العالمية بالقضايا المحلية في مجتمعك ـ مثل أثر العلمانية على الأمة وعلى المجتمع , أي اسقط الانهزام الذي أصاب الأمة والمجتمع على تلك الظاهرة المصدرة من خار محيطنا .
35ـ اجتناب الترهيب فقط , أو الترغيب فقط , فإن من نتائج الترهيب الشعور باليأس وفقد الثقة وقطع الأمل , ومن نتائج الترغيب الشعور بأن الأمور على ما يرام ـ وأحياناً التكذيب ـ .
والأفضل استخدام الاثنين ـ ليس بإجحاف أو بغرض إبكائهم وبالذات من أجل الثناء ـ واستخدم الترهيب أولاً ثم الترغيب .
36ـ إشعارهم بالمسؤولية وبالدور المناط علي عاتقهم .. وتحفز فيهم الهمة , وبأنهم أحفاد الأوائل , ومن ذلك قولك :
إن لم يكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب الدنايا عاكفون .
ويمكن أن تبسط لهم دورهم وفق ممكنتهم الواقعية والحياتية .
37ـ لا تلوح بأنك دائماً تنصحهم وبأنهم مقصرون وأنه لا فائدة من نصحهم ( .. ) .
38ـ لا تلوح بأنك أفضل منهم بل انسب التقصير أولاً إلى نفسك .
39ـ الدعاء لهم فإن ذلك مما يسرهم ويجلب هممهم , ويشعرهم بأنهم مسئولون , ويحفزهم لتحمل المسئولية .. ( وطبعاً كل خطبة لها دندنتها .! ) .
40ـ وأخيراً لا تحاول أن تطبقها دفعة واحدة , ولكن حاول أن تطبق الأقرب منها , وبالت مقومات الفقرة ( أ ) , لأن الجرأة عند الوقوف هي العقبة الأولى في عالم الخطابة , وما عدى يأتي إدراكه مع الممارسة .
( و )
ـ الإخلاص لله في القول والعمل , فما كان لله دام واتصل , وما كان لغيره انقطع وانفصل .
ـ كثرة الإطلاع والقراءة .ـ محاولة التحدث باللغة العربية الفصحى .
ـ التحدث في الدين وفي الدعوة له .
ـ الشجاعة الأدبية : وكثيراً ما تتأتى من خلال القراءة عن الصحابة وعن السلف , وعن الفاتحين .. وكذلك استشعر المسؤولية , والدور المناط على عاتقك تجاه الأمة وتجاه هذا الدين وماذا يتطلب منك ؟ وماذا ينتظرك ؟
وأخيرا نسأل الله أن يجعل عملنا هذا في ميزان حسناتنا جميعا , وأن يتقبل صيامنا وصلاتنا , وبالمناسبة عيد سعيد ـ قبل الزحمة وعساكم من عوادة .منقووووووول للفائدةمشكورين لقرائتكم الموضوع